المعاصي في سجن الشيطان
ومن عقوباتها : أن العاصي دائما في أسر شيطانه ، وسجن شهواته ، وقيود هواه ، فهو أسير مسجون مقيد ، ولا أسير أسوأ حالا من أسير أسره أعدى عدو له ، ولا سجن أضيق من سجن الهوى ، ولا قيد أصعب من قيد الشهوة ، فكيف يسير إلى الله والدار الآخرة قلب مأسور مسجون مقيد ؟ وكيف يخطو خطوة واحدة ؟
وإذا قيد القلب طرقته الآفات من كل جانب بحسب قيوده ، ومثل القلب مثل الطائر ، كلما علا بعد عن الآفات ، وكلما نزل استوحشته الآفات .
وفي الحديث : الشيطان ذئب الإنسان .
وكما أن الشاة التي لا حافظ لها وهي بين الذئاب سريعة العطب ، فكذا العبد إذا لم يكن عليه حافظ من الله فذئبه مفترسه ولا بد ، وإنما يكون عليه حافظ من الله بالتقوى ، فهي وقاية وجنة ، حصينة بينه وبين ذئبه ، كما هي وقاية بينه وبين عقوبة الدنيا والآخرة ، وكلما كانت الشاة أقرب من الراعي كانت أسلم من الذئب ، وكلما بعدت عن الراعي كانت أقرب إلى الهلاك ، فأسلم ما تكون الشاة إذا قربت من الراعي ، وإنما يأخذ الذئب القاصية من الغنم ، وهي أبعد من الراعي .
وأصل هذا كله : أن القلب كلما كان أبعد من الله كانت الآفات إليه أسرع ، وكلما قرب من الله بعدت عنه الآفات .
والبعد من الله مراتب ، بعضها أشد من بعض ، فالغفلة تبعد القلب عن الله ، وبعد المعصية أعظم من بعد الغفلة ، وبعد البدعة أعظم من بعد المعصية ، وبعد النفاق والشرك أعظم من ذلك كله .