إن الإنسان هو عنصر أصيل ضمن حلقة من حلقات المجتمع ابتداء من العائلة مرورا بالعشيرة والمجتمع انتهاء بالدولة قاطبة حيث يمثل المواطن في الدولة احد أهم ركائزها ودعائمها ودعائم المجتمع , فالإنسان أو المواطن تربطه علاقات إنسانية وثقافية ودينية ولغة واحدة مع أفراد مجتمعة ودولته وتحكمه وينظم علاقته دستور ومجموعة من القوانين والمبادئ لهذه الدولة, حيث يقوم هذا الإنسان بعمل مشترك مع باقي أفراد المجتمع لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تنظمها الدولة وتشرف على تسيرها ضمن مجموعة من الضوابط .
إن مجموع تلك المفاهيم والعلاقات الإنسانية والتي يعبر عنها بسلوكيات ومفاعيل على الأرض نستطيع القول بأنها احد أنواع الانتماء,(الانتماء للمجتمع والدولة), فعندما خلق الله عز وجل الكون أوجد معه حالة الترابط والتوازن فيما بين عناصره المادية وعناصره البشرية من ناحية أخرى ليتحقق التوازن الكوني, فالإنسان كمخلوق خلقه الله عز وجل على هذه الأرض لا يمكن له أن يعيش بعيدا أو غريبا أو ينفصل عن محيطه الاجتماعي والبيئي على اعتبار انه احد عناصر هذا التوازن , فهذه العلاقة بين الأنواع والفصائل نسميها بـ(الانتماء).
فاحد هذه الانتماءات الانتماء البشري (الآدمي) الذي هو أرقى وأسمى أنواع الانتماءات وذلك لان الله عز وجل كرم الإنسان وميزه عن غيره من المخلوقات حيث تجد الإنسان يستأنس بالعيش مع نفس سلالته البشرية ويطمئن لها , حيث نجد ان الناس يسكنون في جماعات وتكتلات ودول , ولكل جماعة أو مجتمع أو دولة ارتباط بنفس الجماعة التي يعيشون معها ولهم جميعا ارتباط وجداني وشعوري بالأرض التي يعيشون فيها وتحكمهم مجموعة من الأنظمة والقوانين التي تتبع لكل دولة على حدا , حيث يعبرون عن ارتباطهم لدولهم ومجتمعاتهم بمجموعة من السلوكيات التي هي بالمحصلة انعكاس للانتماء لهذه الدولة أو تلك. وهذا النوع نسميه بـ(الانتماء الوطني) , فهذا النوع من الانتماء فيه تعبير عن علاقة المواطن بالأرض التي ولد فيها ويعيش علي ترابها شعوريا ووجدانيا . فمن غير الممكن أن يعبر إنسان ما عن نفسه بغير هويته الأصلية التي ينتمي إليها فلو سألت مثلا شخص أو مواطن يسكن في القدس أو غزة وكان أبواه فلسطينيان لعرف نفسه بالفلسطيني وهذا المثال ينطبق أيضا على المصري والسعودي والأردني والأمريكي والفرنسي......الخ ) وهذا تعبير صادق وحقيقي لمعنى الانتماء .ولو دخلنا في عمق التركيب المجتمعي للتعرف على نوع أخر من الانتماء وسألنا مواطن من أي عائلة أنت لقال أنا انتمي لعائلة (فلان أوعلان)ولو سألنا أخر من أي عشيرة أنت لقال: انتمي لعشيرة كذا أو كذا ولو سألنا أخر لأي تنظيم أو حزب تنتمي لبين انتمائه للحزب أو التنظيم .
إن كلمة انتماء تسير في عدة اتجاهات ( انتماء للدولة,انتماء للعشيرة ,انتماء للعائلة ,انتماء للحزب أو التنظيم,..الخ ) .إذا الانتماء الوطني يكون فطري يولد مع الإنسان وهو بمثابة بطاقة للدلالة على انتسابه للمجتمع أو الدولة من حيث الجغرافيا , والانتماء أيضا حالة واسعة النطاق يستطيع من خلاله الإنسان الانتماء لأكثر من جهة دون الانتماء لأكثر من وطن واحد .
إذاّ الانتماء يوجد في حالتين مختلفتين- الأولى: ثابتة لا تتغير على الإطلاق وهي عنصرا أصيلا نسميه بـ(الانتماء الوطني)حيث لا يستطيع احد أطلاقا ولا بأي حال من الأحوال إلغاء هذا الانتماء أو نزعة من أي شخص أخر حيث انه يمثل هويته وكيانه , والثانية: متحركة وتتغير- تنطبق على عدة حالات منها الانتماء للحزب أو التنظيم أو المؤسسة أو الجمعية التي يعمل بها الإنسان حيث يستطيع الفرد أن يغير انتمائه لذلك الحزب أو التنظيم أو المؤسسة وينتمي لغيرهما حيث أن مثل هذه الحالة ليس عنصرا أصيلا .
هنا نستطيع القول بان: الانتماء هو حالة شعورية فطرية في حالته (الوطنية) يترجمها المواطن بمجموعة من السلوكيات ويغذيها وينميها بالتربية الطاهرة النقية على أسس سليمة ومتينة يقوم المواطن فيها بما عليه من واجبات ويأخذ ما له من حقوق داخل وطنه دون المساس بحقوق الآخرين وهو أيضا تعبيرا صادقا عن طهارة العلاقة بين الإنسان والإنسان وتجسيد للعلاقة الطيبة بينة وبين أبناء مجتمعه , و تجسيد وتعميق للعلاقة بينة وبين وطنه, فلو اختل هذا الانتماء وهذا الترابط أو تم إدخال مجموعة من المفاهيم السلبية والسيئة في هذه التربية ومفاهيم متطرفة كالانتقام والعنف والقتل والإلغاء والإقصاء.....الخ لأختل مفهوم الانتماء الحقيقي الطاهر الصادق للإنسان الذي سيؤدي إلى اختلال في التوازن بين الكيانين مما يعكس حالة سلبية ومرفوضة وطنيا , ويصبح الإنسان شاذا غير مرغوبا فيه حتى داخل وطنه .