هل تعرفون من هو أشر الناس يوم القيامة ؟؟
((إن مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ))
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ))
قَوْله : ( تَجِد مِنْ شِرَار النَّاس )
كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " شِرَار " بِصِيغَةِ الْجَمْع , وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش بِلَفْظِ " إِنَّ مِنْ شَرّ النَّاس " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْمَنَاقِب فِي طَرِيق عُمَارَة بْن الْقَعْقَاع عَنْ أَبِي زُرْعَة عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " تَجِدُونَ شَرّ النَّاس " وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه وَمِنْ رِوَايَة اِبْن شِهَاب عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْهُ بِلَفْظِ " تَجِدُونَ مِنْ شَرّ النَّاس ذَا الْوَجْهَيْنِ , وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْهُ بِلَفْظِ " مِنْ شَرّ النَّاس ذُو الْوَجْهَيْنِ " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَاد " إِنَّ مِنْ شَرّ النَّاس ذَا الْوَجْهَيْنِ " وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام مِنْ طَرِيق عِرَاك بْن مَالِك عَنْهُ بِلَفْظِ " إِنَّ شَرّ النَّاس ذُو الْوَجْهَيْنِ " وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِم أَيْضًا , وَهَذِهِ الْأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة وَالرِّوَايَات الَّتِي فِيهَا " شَرّ النَّاس " مَحْمُولَة عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا " مِنْ شَرّ النَّاس " وَوَصْفه بِكَوْنِهِ شَرّ النَّاس أَوْ مِنْ شَرّ النَّاس مُبَالَغَة فِي ذَلِكَ , وَرِوَايَة " أَشَرُّ النَّاس " بِزِيَادَةِ الْأَلِف لُغَة فِي شَرّيُقَال خَيْر وَأَخْيَر وَشَرّ وَأَشَرُّ بِمَعْنَى وَلَكِنْ الَّذِي بِالْأَلِفِ أَقَلُّ اِسْتِعْمَالًا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالنَّاسِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ خَاصَّة , فَإِنَّ كُلّ طَائِفَة مِنْهُمَا مُجَانِبَة لِلْأُخْرَى ظَاهِرًا فَلَا يَتَمَكَّن مِنْ الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَارهَا إِلَّا بِمَا ذُكِرَ مِنْ خِدَاعه الْفَرِيقَيْنِ لِيَطَّلِع عَلَى أَسْرَارهمْ فَهُوَ شَرّهمْ كُلّهمْ . وَالْأَوْلَى حَمْل النَّاس عَلَى عُمُومه فَهُوَ أَبْلَغ فِي الذَّمّ , وَقَدْ يَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي شِهَاب عَنْ الْأَعْمَش بِلَفْظِ " مِنْ شَرّ خَلْق اللَّه ذُوالْوَجْهَيْنِ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرّ النَّاس لِأَنَّ حَاله حَال الْمُنَافِق , إِذْ هُوَمُتَمَلِّق بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ , مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاس . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلّ طَائِفَة بِمَا يُرْضِيهَا , فَيُظْهِر لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِف لِضِدِّهَا , وَصَنِيعه نِفَاق وَمَحْض كَذِب وَخِدَاع وَتَحَيُّل عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار الطَّائِفَتَيْنِ , وَهِيَ مُدَاهَنَة مُحَرَّمَة . قَالَ : فَأَمَّا مَنْ يَقْصِد بِذَلِكَ الْإِصْلَاح بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَهُوَ مَحْمُود . وَقَالَ غَيْره : الْفَرْق بَيْنَهمَا أَنَّ الْمَذْمُوم مَنْ يُزَيِّن لِكُلِّ طَائِفَة عَمَلهَا وَيُقَبِّحهُ عِنْدَ الْأُخْرَى وَيَذُمّ كُلّ طَائِفَة عِنْدَ الْأُخْرَى , وَالْمَحْمُود أَنْ يَأْتِي لِكُلِّ طَائِفَة بِكَلَامٍ فِيهِ صَلَاح الْأُخْرَى وَيَعْتَذِر لِكُلِّ وَاحِدَة عَنْ الْأُخْرَى , وَيَنْقُل إِلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْجَمِيل وَيَسْتُر الْقَبِيح . وَيُؤَيِّد هَذِهِ التَّفْرِقَة رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق اِبْن نُمَيْر
عَنْ الْأَعْمَش " الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ " وَقَالَ اِبْن عَبْدالْبَرّ : حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِره جَمَاعَة وَهُوَ أَوْلَى , وَتَأَوَّلَهُ قَوْم عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ مَنْ يُرَائِي بِعَمَلِهِ فَيُرِي النَّاس خُشُوعًا وَاسْتِكَانَة وَيُوهِمهُمْ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّه حَتَّى يُكْرِمُوهُ وَهُوَ فِي الْبَاطِن بِخِلَافِ ذَلِكَ , قَالَ : وَهَذَا مُحْتَمَل لَوْ اِقْتَصَرَ فِي الْحَدِيث عَلَى صَدْره فَإِنَّهُ دَاخِل فِي مُطْلَق ذِي الْوَجْهَيْنِ , لَكِنْ بَقِيَّة الْحَدِيث تَرُدّ هَذَا التَّأْوِيل وَهِيَ قَوْله : " يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ " قُلْت : وَقَدْ اِقْتَصَرَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَلَى صَدْر الْحَدِيث , لَكِنْ دَلَّتْ بَقِيَّة الرِّوَايَات عَلَى أَنَّ الرَّاوِي اِخْتَصَرَهُ , فَإِنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَة الْأَعْمَش , وَقَدْ ثَبَتَ هُنَا مِنْ رِوَايَة الْأَعْمَش بِتَمَامِهِ , وَرِوَايَة اِبْن نُمَيْر الَّتِي أَشَرْت إِلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَرُدّ التَّأْوِيل الْمَذْكُور صَرِيحًا , وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُون أَمِينًا " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث عَمَّار بْن يَاسِر قَالَ : "قَالَ رَسُول اللَّه : مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة لِسَانَانِ مِنْ نَار " وَفِي الْبَاب عَنْ أَنَس أَخْرَجَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِهَذَا اللَّفْظ , وَهَذَا يَتَنَاوَل الَّذِي حَكَاهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ بِخِلَافِ حَدِيث الْبَاب فَإِنَّهُ فَسَّرَ مَنْ يَتَرَدَّد بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْ النَّاس , وَاللَّهُ أَعْلَمُ .